بنت الخليفة والخليفة جدها...........اخت الخلفاء والخليفة زوجها
هي علم من أعلام المسلمات لا يندر وجود أمثالها في هذا
الزمن بل ويستحيل, انها فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم من بني
أمية, ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب, فأبوها الخليفة الموي عبد الملك بن
مروان, واخوتها الأربعة الوليد وسليمان ويزيد وهشام هم خلفاء بحكم الوراثة,
وعندما خطبت الى ابن عمها عمر بن عبد العزيز قبل أن يكون خليفة للمسلمين
وقد زفت اليه محملة بالجواهر والذهب, وبعدما تولى عمر الخلافة خيّرها عمر
بأن تختار الدنيا من الآخرة, خيرها بأن تختار الذهب والجواهر الذي معها أو
عمر الزوج , ولأنها تربت في مدرسة عمر الاسلامية ونهلت من مناهل القرآن
الكريم فقد اختارت الآخرة عن الدنيا, اختارت عمر الزوج عن جواهرها , فاخذ
عمر جواهرها ووضعها في بيت مال المسلمين لتكون للفقاراء والمساكين وقالت
له: جعلني الله واياك يا عمر فداء لله ولرسوله
فاطمة بنت الملوك وأخت الأمراء الموصوفة بربيبة القصور
وسيدتها، ذات الحظ الذي تيَسر لها به من المقام الرغد ورفاهية المعيشة ما
لم يتيسر لغيرها، حيث الموائد الفاخرة تمد والمكان يعبق بأطيب مايكون، وحيث
الكل يرتدى أغلى الثياب وأثمن الحلي والجواهر.. وبين عشية وضحاها يختار
لها القدر الرباني عيشة المساكين والفقراء فتدور رحمها الله مع قدر الله
حيث دار غير ضجرة ولا متبرمة .. ويدخل عليها زوجها عمر رضي الله عنه ذات
يوم من أيام خلافته، فإذا بها تخيط ثوبه بيدها فتذكر تلك الأيام التي كانت
فيها في قصر السلطنة منعمة مكرمة تعيش في رغد من العيش، تشير ببنانها فتلبي
الجواري إشارتها وتتمنى وسرعان ما تتحقق أمنيتها. فأراد أن يداعبها ويخفف
عنها فدنا منها وقال:" يافاطمة لنحن في ليالي دابق أنعم منا اليوم". فقالت
فاطمة للخليفة الذي يرتدي أخشن الثياب:" والله ما كنت على ذلك يومئذ أقدر
منك اليوم". فقال يافاطمة: "إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" فسكتت رضي
الله عنها قانعة راضية.
كانت السيدة فاطمة بنت عبد الملك ،رحمها الله تقية ورعة في دين الله،
متواضعة في عزة، صابرة على الطاعة ابتغاء وجه الله والدار الآخرة. ذات عقل
وتدين كبير. أديبة تحفظ الشعر والنثر إلى جانب ما تيسر من القرآن الكريم
والحديث النبوي الشريف, صحبت زوجها فأحسنت صحبته حيا وميتا، ولها معه
مواقف رائعة جعلتها مثالا للمرأة المسلمة والزوجة الصالحة، وقدوة مضيئة لمن
أراد أن يقتدي بسيدة فاضلة
ذات يوم من أيام العيد جاءت بنات عمر وقلت له يا أمير
المؤمنين! العيد عدا وليس عندنا ثيابا جديدة نلبسها, فنظر عمر الى بناته
وقال لهنّ: انّ العيد ليس بلبس الجدي, انه بالخوف من يوم الوعيد.
ذات يوم كان عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يصلي العتمة
ثم يدخل على بناته فيسلم عليهن ، فدخل عليهن ذات ليلة ، فلما أحسسنه ، وضعن
أيديهن على أفواههن ، ثم تبادرن الباب ( خرجن من الباب مسرعات )
فقال للحاضنة : ما شأنهن ؟
قالت : إنه لم يكن عندهن شيء يتعشينه إلا عدس وبصل ، فكرهن أن تشم ذلك من أفواههن .
فبكى عمر ، ثم قال لهن : يا بناتي ما ينفعكن أن تعشّيْن الألوان ( أصناف الطعام ) ويُمَرُ بأبيكُن إلى النار .
قال : فبكين حتى علت أصواتهن ، ثم انصرف
وعندما حضرته الوفاة ترك خمسة عشر ولدا مابن ذكور واناث, وعاده الناس على
فراش الموت وسألوه ماذا تركت لأبناءك يا عمر؟ فقال: تركت لهم الله, فان
كانوا صالحين فالله تعالى يتولى أمرهم, وان كانوا غير ذلك فلو تركت لهم مال
الدنيا فلن ينفعهم, ثم قال لزائريه: انصرفوا عني الآن, فدخلت عليه الزوجة
الصابرة المحتسبة الأمينة الوفية الواهدة العابدة وهو يجود بروحه الطاهرة
في سكرات الموت فقال لها: يا فاطمة! اخرجي الآن فاني أرى
خلقا يزاحمون على مكاني هذا , وارى خلقا غريبا ذوي أجنحة لم أرهم قبلا, يا
فاطمة أخرجي فانه آن للغريب أن يرى حماه.. وآن للغريب أن يرى رباه.. وآن
للغريب أن يعود الى دار البقاء.. اخرجي يا فاطمة: فانّ الروح تزف لأن تصل
الى خالقها الأعظم, الى روح ستكون في ضيافة الرحمن, ثم شخص ببصره الى
السماء وأخذ يردد قوله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون في
الأرض علوا ولا فسادا والعاقيبة للمتقين, وما زال يررها حتى ختم الله عزوجل
له بها.وأسلم الروح الى بارئها وهو يرددها.
وتولى الخلافة بعده يزيد بن عبد الملك أخو فاطمة , فقال لها: يا فاطمة! أنا
أعلم أن عمر أخذ مالك كله ووضعه في بيت المال, أتأذنين أن أعيده اليك؟
فقالت له بلسان الحق: ماذا تقول يا يزيد؟ أتريد أن آخذ شيئا وضعه عمر في
بيت مال المسلمين؟ فو الله الذي لا اله الا هو لن أعطيه حيا وأغضبه ميتا
أبدا, وما غادرت بيتها قط بعد عمر حتى وافتها المنية رضي الله عنها