بين فينة وأخرى يتناقل بعض الإخوة والأخوات رسائل تحمل في طياتها أذكاراً وأدعية لا مستند شرعي لها، سوى أنها جربت فنفعت..
هذه الأذكار والأدعية تنسب لبعض الدعاة زوراً وبهتاناً أحيانا، وحقاً
وصدقاً في أحيان أخرى، اعتراضي هنا ليس في المجربات من الاستشفاء ببعض
الآيات التي جربت فنفعت، أي الذي مستنده التجربة فذاك مما لاحرج فيه ولا
بأس، قال بذلك جماعة من أهل العلم.. ولأن ذلك لا يخالف الشرع المطهر، ولا
يناقض مقاصده..
وإنما الاعتراض على تنزيل بعض الأدعية على
أحوال وهيئات معينة وأوقات معينة، وربما بعدد معين حتى اتخذ الجهال ذلك سنة
مشروعة، وكم يبلغ العجب مبلغه حينما تترك السنة الصحيحة الواردة في تلك
النازلة ليحل محلها ما ثبت بالمنامات والتجربة.. وليست العبرة في الشريعة
باستحسانات العامة، ولكن المرجع في مثل ذلك لأهل العلم والديانة..
لذا قال ابن عقيل رحمه الله:
(كم من أقوال وأفعال تخرج مخرج الطاعات عند العامة، وهي مأثم وبعد من الله تعالى عند العلماء)..
وتعظم البلية حينما يضفى على مثل هذه الأشياء حكم الإستحباب والسنة، بل ربما الإنكار على من لم يفعل ذلك..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى:
(ليس لأحد أن يسن نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة
يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع لم يأذن
به الله)..
ولا يجوز أبداً أن يتذرع متذرع بأن هذه الأدعية لا محذور فيها شرعاً من حيث أصلها، والجواب على مثل ذلك أن يقال:
لابد من التفريق بين مشروعية الذكر والدعاء على الإطلاق، وبين تنزيل هذا
الذكر المشروع مثلاً على عبادة مخصوصة على سبيل الإستحباب، والسنة وهو أمر
ينبغي أن يُتفطن له، ليُعلم أن الذي يُنكر هو ما أُضيف على الذكر من
الأحوال والهيئات لا أصل الذكر، وليست العبرة كذلك بشيوع مثل هذه الأدعية
التي لا دليل عليها، فشيوع الفعل وانتشاره لا يدل على جوازه.. كما قرر ذلك
الإمام الطرطوشي رحمه الله في كتابه (الحوادث والبدع)..
لذا فوصيتي لكل مسلم ومسلمة التفقه قبل
التعبد، فإن العلم هو البصيرة اللازمة للمتعبد والداعية، فعلى كل واحد منا
أن يتبع لا أن يبتدع فقد كفينا، هكذا قرر السلف فما من سنة تموت إلا وبدعة
تحيا، والعكس كذلك..
كما أنني أوصي نفسي وطلبة العلم بعدم إغراق العامة بالمجربات والمستحسنات، ففي السنة غنية وكفاية..
جعلنا الله وإياكم من أهل السنة وحمانا وإياكم من مقاربة الفتنة.. والله أعلم..